صفاء القلوب (2-3)
قال الحسن البصري رحمه الله:
رُبَّ مستورٍ سبته شهوتُهْ قد عري من ستره وانْهَتَكَا
صاحبُ الشهوةِ عبدٌ فإذا مَلَكَ الشهوة أضحى مَلِكا
فإذا أخلص لله وبما كلفه به وارتضاه قام فأدَّاه، حفَّتهُ العناية حيثما توجه وتيمَّم وعلَّمه ما لم يكن يعلم.
قال الطحطاوي في "الحاشية": دليله قوله تعالى:
{واتقوا الله ويعلِّمكم الله}[البقرة:282 ]) [حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح ص70 ـ 71].
فكما لا يحسن بالمرء أن يظهر أمام الناس بثياب ملطخة بالأقذار والأدران لا يليق به أن يترك قلبه مريضاً بالعلل الخفية وهو محل نظر الله سبحانه وتعالى: تطَبِّبُ جسمَك الفاني ليبقى وتترك قلبَك الباقي مريضاً لأن الأمراض القلبية سبب بُعد العبد عن الله تعالى وبعده عن جنته الخالدة قال رسول الله : "لا يدخلُ الجنةَ مَنْ كان في قلبه مثقالُ ذرة مِنْ كبر" [رواه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان عن ابن مسعود رضي الله عنه].
وعلى هذا فسلامة الإنسان في آخرته هي في سلامة قلبه ونجاتُه في نجاته من أمراضه المذكورة.
وقد تخفى على الإنسان بعض عيوب نفسه وتدق عليه علل قلبه فيعتقد في نفسه الكمال وهو أبعد ما يكون عنه فما السبيل إلى اكتشاف أمراضه والتعرف على دقائق علل قلبه ؟
وما الطريق العملي إلى معالجة هذه الأمراض والتخلص منها ؟
إن التصوف هو الذي اختص بمعالجة الأمراض القلبية وتزكية النفس والتخلص من صفاتها الناقصة.
قال العلامة المنجوري (التصوف علم يعرف به كيفية تصفية الباطن من كدرات النفس أي عيوبها وصفاتها المذمومة كالغل والحقد والحسد والغش وحب الثناء والكبر والرياء والغضب والطمع والبخل وتعظيم الأغنياء والاستهانة بالفقراء لأن علم التصوف يطلع على العيب والعلاج وكيفيته، فبعلم التصوف يُتوصل إلى قطع عقبات النفس والتنزه عن أخلاقها المذمومة وصفاتها الخبيثة حتى يتوصل بذلك إلى تخلية القلب عن غير الله تعالى وتحليته بذكر الله سبحانه وتعالى) ["النصرة النبوية" للشيخ مصطفى إسماعيل المدني على هامش شرح الرائية للفاسي ص 26].
أما تحلية النفس بالصفات الكاملة كالتوبة والتقوى والاستقامة والصدق والإخلاص والزهد والورع والتوكل والرضا والتسليم والأدب والمحبة والذكر والمراقبة فللصوفية بذلك الحظ الأوفر من الوراثة النبوية في العلم والعمل.
قد رفضوا الآثامَ والعيوبا وطهَّروا الأبدانَ والقلوبا
وبلغوا حقيقة الإيمان وانتهجوا مناهج الإحسان
["لفتوحات الإلهية في شرح المباحث الأصلية"للعلامة ابن عجيبة على هامش شرح الحكم لابن عجيبة ج1/ص105].