هو من ثمار صدق التوكل على الله، فمهما طال الزمن، وعظمت
المصائب، فإن ثقة الداعية بالله وبوعده الذي لا يتخلف، تبعث همته،
وتقوي نشاطه، وتنبهه إلى انتهاز كل فرصة مناسبة للدعوة مدفوعًا بقوة
مردها إلى الطمأنينة إلى الحق، وحسن الظن بالله تعالى، فلا بد من يوم
يتغلب فيه الحق على الباطل، فدولة الباطل مؤقتة مضمحلة لا ثبات لها،
والنصر والغلبة لأنصار الحق ما داموا معتصمين به[1].
وأقرب مثال على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام،
فلم يثن عزمهم عن الدعوة يومًا عناد أهل مكة، ومحاربتهم لهم،
بل استمسكوا بالحق وصبروا على الأذى، وتحملوا الكثير في سبيل
الدعوة، مع رضاهم التام بحكم الله تعالى ويقينهم بنصره، فكان لهم
في نهاية الأمر الظفر والنصر، وتحقق موعود الله تعالى لهم
{ لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ
إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ
فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا *
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ
لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا } [2].
فصدق وعد الله وكان صلح الحديبية فتحًا مؤدياً
إلى ظهور الدين وغلبته على الكفار بفتح مكة.
إن تنشئة الإيمان القوي في نفس الداعية يستلزم منه سلوك طريق واحد،
وهو الإيمان بالله وحده ربًّا وإلهاً، وتطهير قلبه من شوائب الشرك،
فيكون في عبادة مخلصة صادقة، كما يستلزم تعلقاً خالصاً به تعالى،
وتفويضاً وتوكلاً صادقاً عليه،
ولتقوية هذه الصلة طريقان:
1- طريق الفهم والتفكر بدراسة القرآن الكريم والسنة المطهرة وتدبرهما،
وهذا الطريق الفكري لا يؤتي ثماره إلا حين يستند
ويعتضد بالطريق الآخر وهو:
2- طريق العمل والعبادة، وهو الطاعة المخلصة لله والعمل
بكل ما أمر به، والتعبد له تعالى بكل ما يحب من أنواع العبادات[3].
وهذا النبي صلى الله عليه وسلم لا ينفك عن التقرب لله تعالى بما يحب،
فتراه تاليا القرآن متخشعا لله تعالى حتى وهو في أوج قمة النصر، فيتلو
سورة الفتح شاكراً لله تعالى، ويتمثل العبودية التامة له، ويستمد منه
العون والتأييد فيصلي ثمان ركعات حمداً له وشكراً.
[1] بتصرف، هداية المرشدين إلى طرق الوعظ والخطابة ص 103.
[2] سورة الفتح الآيتان 27-28.
[3] بتصرف، تذكرة دعاة الإسلام: أبو الأعلى المودودي ص 67- 74