عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ الله فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فرَّجَ الله عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ) رواه البخاري ومسلم، وعند الطبراني بإسناد صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (.. وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ - يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ - شَهْرًا)، وفي رواية أخرى عند الطبراني أيضاً: (.. وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى أَثْبَتَهَا لَهُ، أَثْبَتَ الله عَزَّ وَجَلَّ قَدَمَهُ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الأَقْدَامُ).
كثيرة هي الأعمال التي يحتاج كل إنسان أن يقوم بها في حياته؛ خاصة إذا كان مسئولاً عن عائلة وأسرة؛ فهناك أعمال اقتصادية، وأخرى اجتماعية، وثالثة إدارية، ورابعة صحية، وغير ذلك من واجبات يحملها أي إنسان كل صباح ومساء، وقد يعجز المرء عن القيام بكل هذه الواجبات، فيقع الضرر عليه أو على مَنْ يحبُّ، وهنا يبرز دور هذه السُّنَّة النبوية الجميلة التي بين أيدينا، وهي سُنَّة السعي لقضاء حوائج الناس.
وقد يظنُّ البعض أن مساعدة الناس لا تكون إلا بالمال، أو يظن أن اكتفاءه بإعطاء المال يُغنيه عن السعي والتحرك مع إخوانه لقضاء حوائجهم؛ ولكن الواقع أن "السعي" لقضاء الحاجات من أَجَلِّ الأعمال، وأعظمها عند الله جل وعلا؛ إذ أن ذلك يفوق أجر المعتكف المنقطع لعبادة الله تعالى.
فالواضح أن المقصود هو "السعي" لإتمام الحاجة، والحاجة قد تكون في إنهاء بعض الإجراءات القانونية التي تتطلب وجاهة، أو في شراء أشياء ومتطلبات، أو في المصاحبة في سفر أو زيارة، أو في صناعة شيء أو إصلاحه أو إعداده، أو غير ذلك من الأشياء التي تحتاج إلى جهد.
كما أن أهل المروءة والنجدة لا يمكنهم أن يروا مضطراً إلا أجابوه، ولا محتاجاً إلا أعانوه، ولا ملهوفاً إلا أغاثوه، فإن هذا من أصول المروءة كما قال ميمون بن مهران: "أول المروءة طلاقة الوجه، والثاني التودد، والثالث قضاء الحوائج"، وقال سفيان الثوري: "المروءة: الإنصاف من النفس، والتفضل".
ولأن المسلم يقوم بقضاء هذه الحاجات ابتغاء مرضاة الله تعالى، فإن الله عز وجل يُكافئه بالمساعدة في حاجته يوم احتياجه؛ سواء في الدنيا بتيسير من يكون له عوناً في قضاء حوائجه، أو تسهيل أعماله، أو في الآخرة بتثبيت الأقدام على الصراط، فواقع الأمر بهذه الصورة أن المستفيد الأكبر من قضاء الحاجات هو قاضي الحاجة نفسه وصاحب الوجاهة الذي سعي مع غيره لمساعدته وقضاء مصلحته، وهذا هو المقصد الرئيس من هذه السُّنَّة النبوية.