القرآن (ليس بمخلوق) كما يقول الزنادقة من الحلولية والاتحادية
والجهمية والمعتزلة وغيرهم تعالى الله عن أن يكون شيء من صفاته
مخلوقاً قال الله تعالى:
{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا }
[الشورى:52]
وقال الله تعالى:
{ أَلا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْر }
[الأعراف:54]
وقال الله تعالى:
{ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون }
[يس:82]
فأخبر تعالى: أن الخلق غير الأمر وأن القرآن من أمره لا من خلقه وقال:
{ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ }
[النحل:40]
فـكنْ من كلامه الذي هو صفته ليس بمخلوق والشيء المراد المقول له
(كن) مخلوق وقال تعالى:
{ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ الله كَمَثَلَ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ
ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون }
[آل عمران:59]
فعيسى وآدم مخلوقان بـكن و(كن) قول الله صفة من صفاته وليس الشيء
المخلوق هو كن ولكنه كان بقول الله له كن. وقد انعقد إجماع سلف الأمة
الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون على تكفير من قال بخلق القرآن
وذلك لأنه لا يخلو قوله من إحدى ثلاث: إما أن يقول إنه خلقه في ذاته
أو في غيره أو منفصلا مستقلا وكل الثلاث كفر صريح, لأنه إن قال خلقه
في ذاته فقد جعل ذاته محلا للمخلوقات, وإن قال إنه خلقه في غيره فهو
كلام ذلك الغير فيكون القرآن على هذا كلام تالٍ له وهذا قول الوليد
بن المغيرة فيما حكى الله عنه حيث قال الله تعالى:
{ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ
ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ
إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ
لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ }
[المدثر:18-29]
الآيات. وإن قال إنه خلقه منفصلا مستقلا فهذا جحود لوجوده مطلقا إذ
لا يعقل ولا يتصور كلام يقوم بدون متكلم كما لا يعقل سمع بدون سميع
ولا بصر بدون بصير ولا علم بدون عالم ولا إرادة بدون مريد ولا حياة
بدون حي إلى غير ذلك تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوا
كبيرا, فهذه الثلاث لا خروج لزنديق منها ولا جواب له عنها فبهت الذي
كفر والله لا يهدي القوم الظالمين وقطع دابر القوم الذين ظلموا
والحمد لله رب العالمين.