وردت أحاديث مشتملة على ألفاظ غريبة، وتأتي الغرابة لقلة استعمالها، وندرة التخاطب بها وفي هذه العصور المتأخرة تتسع دائرة الغريب لتشمل بعض ما كان واضحا في عصر تدوين كتب الغريب، وبين يدينا مجموعة من الألفاظ الغريبة التي وردت في أبواب الطهارة، ويحتاج القارئ إلى الوقوف على حقائقها ومعانيها.
الرَّجِيْع: ورد في صحيح مسلم وفي السنن الأربع عن سلمان قال قيل له : " لقد علمكم نبيكم -صلى الله عليه وسلم- كل شيء حتى الخراءة ، قال: «أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، وأن لا نستنجي باليمين، وأن لا يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو عظم ».
قال أبو عبيد القاسم بن سلام: فأما الرَّجِيْع فقد يكون الرَّوْث أو العَذِرَة جميعا، وإنما سمي رجيعا لأنه رجع عن حاله الأولى بعدما كان طعاما أو عَلَفَا إلى غير ذلك، وكذلك كل شيء يكون من قول أو فعل يُرَدَّدُ فهو رجيع؛ لأن معناه مرجوع أي مردود وقد يكون الرَّجِيْع الحجر الذي قد استنجى به مرة ثم رجعه إليه فاستنجى به، وقد روي عن مجاهد: أنه كان يكره أن يستنجى بالحجر الذي قد استنجى به مرة.
الطَّوَّافِيْن والطَّوَّافات: وقد ورد ذلك في سنن أبي داود عن كبشة بنت كعب بن مالك - وكانت تحت ابن أبى قتادة - أن أبا قتادة دخل فسكبت له وِضُوْءاً فجاءت هِرَّةٌ فشربت منه، فَأَصْغَى لها الإناء حتى شربت، قالت كَبْشَةُ: فرآني أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا ابنة أخي، فقلت نعم، فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال « إنها ليست بنجس إنها من الطَّوَّافِيْن عليكم والطَّوَّافات».
قد لا تكون الغرابة في هاتين الكلمتين من حيث مادتُهما، وإنما من حيث المجازُ الحاصل فيهما، إذ معناهما مستعمل حقيقة في الخدم والمماليك كما قاله أبو عبيد.
قال ابن منظور: شبهها بالخادم الذي يَطُوف على مَوْلاه ويدور حولَه. أ.هـ
وفي عون المعبود قال: فيه إشارة إلى أن علة الحكم بعدم نجاسة الهِرَّةِ هي الضرورة الناشئة من كثرة دورانها في البيوت ودخولها فيها، بحيث يصعب صَوْنُ الأواني عنها ، والمعنى أنها تطوف عليكم في منازلكم ومساكنكم فتمسونها بأبدانكم وثيابكم ، ولو كانت نجسة لأمرتُكم بالمجانبة عنها .
صِماخ: ورد في حديث رواه أبو داود في سننه أيضا: «ومسح بأذنيه ظاهرهما وباطنهما» زاد هشام «وأدخل أصابعه في صماخ أذنيه».
والصِّمَاخُ: بكسر الصاد المهملة، وآخره الخاء المعجمة، هو: الخرق الذي في الأذن المفضي إلى الدماغ، ويقال فيه السِّمَاخُ أيضا كما في رواية مسلم في حديث أبي ذر الطويل وفيه: « فبينما أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان إذ ضرب على أَسْمِخَتِهِمْ» أي: ناموا.
قال النووي في شرح مسلم: صِمَاخ بالصاد وسِمَاخ بالسين وبالصاد أفصح وأشهر والمراد بأَصْمِخَتِهِمْ هنا آذانهم أي ناموا قال الله تعالى "فَضَرَبْنَا عَلَىْ آذَاْنِهِمْ" أي أَنَمْنَاهُم.