للمعاصي تأثير عظيم على المجتمعات والأمم
إن تأثير الذنوب في القلب كتأثير الأمراض في الأبدان،
بل الذنوب أمراض القلوب وداؤها، ولا دواء لها إلا بتركها .
فأي عقل لمن آثر لذة ساعة أو يوم أو دهر
ثم تنقضي كأنها حلم ،على هذا النعيم المقيم
والفوز العظيم بل هو سعادة الدنيا والآخرة.
ولولا العقل الذي تقوم عليه به الحجة
لكان بمنزلة المجانين ، بل قد يكون المجانين
أحسن حالا منه وأسلم عاقبة.
وأما تأثيرها في نقصان العقل المعيشي
فلولا الاشتراك في هذا النقصان لظهر لمطيعنا
نقصان عقل عاصينا، ولكن الجائحة عامة، والجنون فنون .
للمعاصي تأثير عظيم على المجتمعات والأمم
ومن ذلك على سبيل المثال ما يلي :
إهلاك الأمم بسبب المعاصي؛ لاشك أن جميع الأضرار
في الدنيا والآخرة تحصل بسبب المعاصي :
فما الذي أخرج الأبوين من الجنة،
دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور
إلى دار الآلام والأحزان والمطالب؟
ما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده
ولعنه ومسخ ظاهره وباطنه، فجعل صورته
أقبح صورة وأشنعها وباطنه أقبح من صورته وأشنع ،
وبدل بالقرب بعدا ، وبالرحمة لعنة، وبالجمال قبحا ،
وبالجنة نارا تلظى، وبالإيمان كفرا ؟
ما الذي أغرق أهل الأرض كلهم
حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال؟
ما الذي سلط الريح على قوم عاد،
حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية ،
ودمرت ما عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابهم ،
حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة .
ما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة
حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم
وماتوا عن آخرهم؟
ما الذي رفع قرى قوم لوط حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم ،
ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها، فأهلكهم جميعا .
ثم أتبعهم حجارة من السماء أمطرها عليهم ،
فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمع على أمة غيرهم ،
ولإخوانهم أمثالها، وما هي من الظالمين ببعيد ؟
ما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر،
ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم،
فالأجساد للغرق والأرواح للحرق ؟
ما الذي خسف بقارون
وداره وماله وأهله ؟
ما الذي أهلك القرون من بعد نوح
بأنواع العقوبات ودمرها تدميرا ؟
ما الذي أهلك قوم صاحب يس بالصيحة
حتى خمدوا عن أخرهم ؟