التوكل
قيل : «علامة التوكل انقطاع المطامع» أي في الخلق والأسباب.
حكمــــــة
قيل : «التوكل إسقاط رؤية الوسائط، والتعليق بأعلى العلائق» وهو الله عز وجل.
قال ابن سالم البصري: «التوكل على الله فريضة»، " وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " [المائدة: 23]، والسعي في طلب الرزق مباح " كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ " [البقرة: 57] وما يفتح بالطلب والكسب منه طيب وخبيث، وما يفتح بالتوكل لا يكون إلا طيبًا.
إن التوكل على الله هو تفويض الأمور إلى الله عز وجل، والثقة بحسن اختيار الله فيما أمر به، والاعتماد على الله في جلب المنافع ودفع المضار الدينية والدنيوية؛ من حصول الرزق، وحصول النصر، وشفاء المرضى، وتفريج الكرب، وغير ذلك من منافع الدنيا، والاعتماد على الله في حصول المنافع الأخروية؛ كالإيمان، والهداية، والعمل الصالح، والعلم النافع، وغيرها.
إن التوكل فريضة قلبية وعبادة لا تنبغي إلا لله خالصة، وهي أفضل العبادات وأعلى مقامات التوحيد، ولا تقوم على كمالها إلا في خواص المؤمنين؛ كأمثال السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب، كما سيأتي بيانه، وقد جعل الله التوكل شرطًا وعلامة للإيمان، فقال عز وجل : " وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " [المائدة: 23]؛ فبالتوكل يتحقق الإيمان في القلب، وقد قيل: «من لا تَوكُّلَ له لا إيمان له»، وقال عز وجل: " وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ " [آل عمران: 122].
إن التوكل ليس قولاً باللسان أو عملاً بالجوارح فحسب، بل هو إيمانٌ ويقينٌ في القلب، ولذلك جعل القرآن التوكل صفة أساسية في المؤمنين، فقال عز وجل: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" [الأنفال: 2].
مما يدل على أهمية التوكل في حياة المسلم أن الله يصرف الشيطان عن المتوكلين؛ فقد قال الله تعالى في سورة النحل عن الشيطان: " إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ " [النحل: 99]، وأن به تنال جنة رب العالمين: " وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ " [العنكبوت: 58-59] معنى هذا أن من أبرز الصفات التي أهلتهم للجنة الصبر والتوكل.
لمكانة هذه الفضيلة (التوكل) وجلالها نرى الله جل جلاله يأمر بها نبيه صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة في القرآن، فقال له: " وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ " [الفرقان: 58]، " فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا " [النساء: 81]، " فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ " [آل عمران: 159].